الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون} قوله تعالى{قل هل من شركائكم} أي آلهتكم ومعبوداتكم. }من يبدأ الخلق ثم يعيده} أي قل لهم يا محمد ذلك على جهة التوبيخ والتقرير؛ فإن أجابوك وإلا فـ }قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده} وليس غيره يفعل ذلك. }فأنى تؤفكون} أي فكيف تنقلبون وتنصرفون عن الحق إلى الباطل. {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يَهِدِّي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون} قوله تعالى{قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} يقال: هداه للطريق وإلى الطريق بمعنى واحد؛ وقد تقدم. أي هل من شركائكم من يرشد إلى دين الإسلام؛ فإذا قالوا لا ولا بد منه فـ }قل} لهم }الله يهدي للحق} ثم قل لهم موبخا ومقررا. }أفمن يهدي} أي يرشد. }إلى الحق} وهو الله سبحانه وتعالى. }أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} يريد الأصنام التي لا تهدي أحدا، ولا تمشي إلا أن تحمل، ولا تنتقل عن مكانها إلا أن تنقل. قال الشاعر: وقيل: المراد الرؤساء والمضلون الذين لا يرشدون أنفسهم إلى هدى إلا أن يرشدوا. في }يهدي} قراءات ست: الأولى: قرأ أهل المدينة إلا ورشا }يَهْدِّي} بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال؛ فجمعوا في قراءتهم بين ساكنين كما فعلوا في قوله{لا تعْدُّوا} وفي قوله{يخْصِّمون}. قال النحاس: والجمع بين الساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به. قال محمد بن يزيد: لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركة خفيفة إلى الكسر، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة. الثانية: قرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والإسكان، على مذهبه في الإخفاء والاختلاس. الثالثة: قرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن }يَهَدِّي} بفتح الياء والهاء وتشديد الدال، قال النحاس: هذه القراءة بينة في العربية، والأصل فيها يهتدى أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها على الهاء. الرابعة: قرأ حفص ويعقوب والأعمش عن أبي بكر مثل قراءة ابن كثير، إلا أنهم كسروا الهاء، قالوا: لأن الجزم إذا اضطر إلى حركته حرك إلى الكسر. قال أبو حاتم: هي لغة سفلى مضر. الخامسة: قرأ أبو بكر عن عاصم يِهِدِّي بكسر الياء والهاء وتشديد الدال، كل ذلك لاتباع الكسر كما تقدم في البقرة في {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون} قوله تعالى{وما يتبع أكثرهم إلا ظنا} يريد الرؤساء منهم؛ أي ما يتبعون إلا حدسا وتخريصا في أنها آلهة وأنها تشفع، ولا حجة معهم. وأما أتباعهم فيتبعونهم تقليدا. }إن الظن لا يغني من الحق شيئا} أي من عذاب الله؛ فالحق هو الله. وقيل }الحق} هنا اليقين؛ أي ليس الظن كاليقين. وفي هذه الآية دليل على أنه لا يكتفى بالظن في العقائد. }إن الله عليم بما يفعلون} من الكفر والتكذيب، خرجت مخرج التهديد. {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} قوله تعالى{وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} }أن} مع }يفترى} مصدر، والمعنى: وما كان هذا القرآن افتراء؛ كما تقول: فلان يحب أن يركب، أي يحب الركوب، قاله الكسائي. وقال الفراء: المعنى وما ينبغي لهذا القرآن أن يفترى؛ كقوله {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} قوله تعالى{أم يقولون افتراه} أم ههنا في موضع ألف الاستفهام لأنها اتصلت بما قبلها. وقيل: هي أم المنقطعة التي تقدر بمعنى بل والهمزة؛ كقوله تعالى {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} قوله تعالى{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} أي كذبوا بالقرآن وهم جاهلون بمعانيه وتفسيره، وعليهم أن يعلموا ذلك بالسؤال؛ فهذا يدل على أنه يجب أن ينظر في التأويل. وقوله{ولما يأتهم تأويله} أي ولم يأتهم حقيقة عاقبة التكذيب من نزول العذاب بهم. أو كذبوا بما في القرآن من ذكر البعث والجنة والنار، ولم يأتهم تأويله أي حقيقة ما وعدوا في الكتاب؛ قاله الضحاك. وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد في القرآن (من جهل شيئا عاداه) قال نعم، في موضعين{بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه} وقوله {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين} قوله تعالى{ومنهم من يؤمن به} قيل: المراد أهل مكة، أي ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن طال تكذيبه؛ لعلمه تعالى السابق فيهم أنهم من السعداء. و}من} رفع بالابتداء والخبر في المجرور. وكذا. }ومنهم من لا يؤمن به} والمعنى ومنهم من يصر على كفره حتى يموت؛ كأبي طالب وأبي لهب ونحوهما. وقيل: المراد أهل الكتاب. وقيل: هو عام في جميع الكفار؛ وهو الصحيح. وقيل. إن الضمير في }به} يرجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فأعلم الله سبحانه أنه إنما أخر العقوبة لأن منهم من سيؤمن. }وربك أعلم بالمفسدين} أي من يصر على كفره؛ وهذا تهديد لهم. {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} قوله تعالى{وإن كذبوك فقل لي عملي} رفع بالابتداء، والمعنى: لي ثواب عملي في التبليغ والإنذار والطاعة لله تعالى. }ولكم عملكم} أي جزاؤه من الشرك. }أنتم بريؤون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} مثله؛ أي لا يؤاخذ أحد بذنب الآخر. وهذه الآية منسوخة بآية السيف؛ في قول مجاهد والكلبي ومقاتل وابن زيد. {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون، ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} قوله تعالى{ومنهم من يستمعون إليك} يريد بظواهرهم، وقلوبهم لا تعي شيئا مما يقوله من الحق ويتلوه من القرآن؛ ولهذا قال{أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون} أي لا تسمع؛ فظاهره الاستفهام ومعناه النفي، وجعلهم كالصم للختم على قلوبهم والطبع عليها، أي لا تقدر على هداية من أصمه الله عن سماع الهدى. وكذا المعنى في{ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون} أخبر تعالى أن أحدا لا يؤمن إلا بتوفيقه وهدايته. وهذا وما كان مثله يرد على القدرية قولهم؛ كما تقدم في غير موضع. وقال{يستمعون} على معنى }من} و}ينظر} على اللفظ؛ والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، أي كما لا تقدر أن تسمع من سلب السمع ولا تقدر أن تخلق للأعمى بصرا يهتدي به، فكذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء للإيمان وقد حكم الله عليهم ألا يؤمنوا. ومعنى{ينظر إليك} أي يديم النظر إليك؛ كما قال {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون} لما ذكر أهل الشقاء ذكر أنه لم يظلمهم، وأن تقدير الشفاء عليهم وسلب سمع القلب وبصره ليس ظلما منه؛ لأنه مصرف في ملكه بما شاء، وهو في جميع أفعاله عادل. }ولكن الناس أنفسهم يظلمون} بالكفر والمعصية ومخالفة أمر خالقهم. وقرأ حمزة والكسائي }ولكن} مخففا }الناس} رفعا. قال النحاس: زعم جماعة من النحويين منهم الفراء أن العرب إذا قالت }ولكن} بالواو آثرت التشديد، وإذا حذفوا الواو آثرت التخفيف، واعتل في ذلك فقال: لأنها إذا كانت بغير واو أشبهت بل فخففوها ليكون ما بعدها كما بعد بل، وإذا جاؤوا بالواو خالفت بل فشددوها ونصبوا بها، لأنها }إن} زيدت عليها لام وكاف وصيرت حرفا واحد؛ وأنشد: فجاء باللام لأنها }إن}. {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين} قوله تعالى{ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا} بمعنى كأنهم خففت، أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم. }إلا ساعة من النهار} أي قدر ساعة: يعني أنهم استقصروا طول مقامهم في القبور لهول ما يرون من البعث؛ دليله قولهم قوله تعالى{قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} أي بالعرض على الله. ثم قيل: يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عز وجل بعد أن دل على البعث والنشور، أي خسروا ثواب الجنة. وقيل: خبروا في حال لقاء الله؛ لأن الخسران إنما هو في تلك الحالة التي لا يرجى فيها إقالة ولا تنفع توبة. قال النحاس: ويجوز أن يكون المعنى يتعارفون بينهم، يقولون هذا. }وما كانوا مهتدين} بريد في علم الله. {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون} قوله تعالى{وإما نرينك} شرط. }بعض الذي نعدهم} أي من إظهار دينك في حياتك. وقال المفسرون: كان البعض الذي وعدهم قتل من قتل وأسر من أسر ببدر. }أو نتوفينك} عطف على }نريك} أي نتوفينك قبل ذلك. }فإلينا مرجعهم} جواب }إما}. والمقصود إن لم ننتقم منهم عاجلا انتقمنا منهم آجلا. }ثم الله شهيد} أي شاهد لا يحتاج إلى شاهد. }على ما يفعلون} من محاربتك وتكذيبك. ولو قيل{ثم الله شهيد} بمعنى هناك، جاز. {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} قوله تعالى{ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط} يكون المعنى: ولكل أمة رسول شاهد عليهم، فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم؛ مثل. {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} يريد كفار مكة لفرط إنكارهم واستعجالهم العذاب؛ أي متى العقاب أو متى القيامة التي يعدنا محمد. وقيل: هو عام في كل أمة كذبت رسولها. {قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} قوله تعالى{قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا} لما استعجلوا النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قال الله له: قل لهم يا محمد لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا؛ أي ليس ذلك لي ولا لغيري. }إلا ما شاء الله} أن أملكه وأقدر عليه، فكيف أقدر أن أملك ما استعجلتم فلا تستعجلوا. }لكل أمة أجل} أي لهلاكهم وعذابهم وقت معلوم في علمه سبحانه. }إذا جاء أجلهم} أي وقت انقضاء أجلهم. }فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} أي لا يمكنهم أن يستأخروا ساعة باقين في الدنيا ولا يتقدمون فيؤخرون. {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون} قوله تعالى{قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا} ظرفان، وهو جواب لقولهم{متى هذا الوعد} وتسفيه لآرائهم في استعجالهم العذاب؛ أي إن أتاكم العذاب فما نفعكم فيه، ولا ينفعكم الإيمان حينئذ. }ماذا يستعجل منه المجرمون} استفهام معناه التهويل والتعظيم؛ أي ما أعظم ما يستعجلون به؛ كما يقال لمن يطلب أم أمرا يستوخم عاقبته: ماذا تجني على نفسك! والضمير في }منه} قيل: يعود على العذاب، وقيل: يعود على الله سبحانه وتعالى. قال النحاس: إن جعلت الهاء في }منه} تعود على العذاب كان لك في }ماذا} تقديران: أحدهما أن يكون }ما} في موضع رفع بالابتداء، و}ذا}: بمعنى الذي، وهو خبر }ما} والعائد محذوف. والتقدير الآخر أن يكون }ماذا} اسما واحدا في موضع بالابتداء، والخبر في الجملة، قاله الزجاج. وإن جعلت الهاء في }منه} تعود على اسم الله تعالى جعلت }ما}، و}ذا} شيئا واحدا، وكانت في موضع نصب بـ }يستعجل}؛ والمعنى: أي شيء يستعجل منه المجرمون عن الله عز وجل. {أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون} قوله تعالى{أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن} في الكلام حذف، والتقدير: أتأمنون أن ينزل بكم العذاب ثم يقال لكم إذا حل: آلآن آمنتم به؟ قيل: هو من قول الملائكة استهزاء بهم. وقيل: هو من قول الله تعالى، ودخلت ألف الاستفهام على }ثم} والمعنى: التقرير والتوبيخ، وليدل على أن معنى الجملة الثانية بعد الأولى. وقيل: إن }ثم} ههنا بمعنى{ثم} بفتح الثاء، فتكون ظرفا، والمعنى: أهنالك؛ وهو مذهب الطبري، وحينئذ لا يكون فيه معنى الاستفهام. و}الآن} قيل: أصله فعل مبني مثل حان، والألف واللام لتحويله إلى الاسم. الخليل: بنيت لالتقاء الساكنين، والألف واللام للعهد والإشارة إلى الوقت، وهو حد الزمانين. }وقد كنتم به} أي بالعذاب }تستعجلون}. {ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} قوله تعالى{ثم قيل للذين ظلموا} أي تقول لهم خزنة جهنم. }ذوقوا عذاب الخلد} أي الذي لا ينقطع. }هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون} أي جزاء كفركم. {ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين} قوله تعالى{ويستنبئونك} أي يستخبرونك يا محمد عن كون العذاب وقيام الساعة. }أحق} ابتداء. }هو} سد مسد الخبر؛ وهذا قول سيبويه. ويجوز أن يكون }هو} مبتدأ، و}أحق} خبره. }قل إي} }إي} كلمة تحقيق وإيجاب وتأكيد بمعنى نعم. }وربي} قسم. }إنه لحق} جوابه، أي كائن لا شك فيه. }وما أنتم بمعجزين} أي فائتين عن عذابه ومجازاته. {ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} قوله تعالى{ولو أن لكل نفس ظلمت} أي أشركت وكفرت. }ما في الأرض} أي ملكا. }لافتدت به} أي من عذاب الله، يعني ولا يقبل منها؛ كما قال قوله تعالى{وأسروا الندامة} أي أخفوها؛ يعني رؤساءهم، أي أخفوا ندامتهم عن اتباعهم. }لما رأوا العذاب} وهذا قبل الإحراق بالنار، فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع؛ بدليل قولهم وذكر المبرد فيه وجها ثالثا: أنه بدت بالندامة أسرة وجوههم، وهي تكاسير الجبهة، واحدها سرار. والندامة: الحسرة لوقوع شيء أو فوت شيء، وأصلها اللزوم؛ ومنه النديم لأنه يلازم المجالس. وفلان نادم سادم. والسدم اللهج بالشيء. وندم وتندم بالشيء أي اهتم به. قال الجوهري: السدم (بالتحريك) الندم والحزن؛ وقد سدم بالكسر أي اهتم وحزن ورجل نادم سادم، وندمان سدمان؛ وقيل: هو اتباع. وماله هم ولا سدم إلا ذلك. وقيل: الندم مقلوب الدمن، والدمن اللزوم؛ ومنه فلان مدمن الخمر. والدمن: ما اجتمع في الدار وتلبد من الأبوال والأبعار؛ سمي به للزومه. والدمنة: الحقد الملازم للصدر، والجمع دمن. وقد دمنت قلوبهم بالكسر؛ يقال: دمنت على فلان أي ضغنت. }وقضي بينهم بالقسط} أي بين الرؤساء والسفل بالعدل. }وهم لا يظلمون}. {ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون} {ألا} كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلام؛ أي انتبهوا لما أقول لكم{إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق} {هو يحيي ويميت وإليه ترجعون} بين المعنى. وقد تقدم {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} قوله تعالى{يا أيها الناس} يعني قريشا. }قد جاءتكم موعظة} أي وعظ. }من ربكم} بعني القرآن، فيه مواعظ وحكم. }وشفاء لما في الصدور} أي من الشك والنفاق والخلاف، والشقاق. }وهدى} أي ورشدا لمن اتبعه. }ورحمة} أي نعمة. }للمؤمنين} خصهم لأنهم المنتفعون بالإيمان؛ والكل صفات القرآن، والعطف لتأكيد المدح. قال الشاعر: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} قوله تعالى{قل بفضل الله وبرحمته} قال أبو سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهما: فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام. وعنهما أيضا: فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: فضل الله الإيمان، ورحمته القرآن؛ على العكس من القول الأول. وقيل: غير هذا. }فبذلك فليفرحوا} إشارة إلى الفضل والرحمة. والعرب تأتي }بذلك} للواحد والاثنين والجمع. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ }فبذلك فلتفرحوا} بالتاء؛ وهي قراءة يزيد بن القعقاع ويعقوب وغيرهما؛ {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} قوله تعالى{قل أرأيتم} يخاطب كفار مكة. }ما أنزل الله لكم من رزق} }ما} في موضع نصب بـ }أرأيتم}. وقال الزجاج: في موضع نصب بـ }أنزل}. }وأنزل} بمعنى خالق؛ كما قال استدل بهذه الآية من نفي القياس، وهذا بعيد؛ فإن القياس دليل الله تعالى، فيكون التحليل والتحريم من الله تعالى عند وجود دلالة نصبها الله تعالى على الحكم، فإن خالف في كون القياس دليلا لله تعالى فهو خروج عن هذا الغرض ورجوع إلى غيره. {وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون} قوله تعالى{وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة} }يوم} منصوب على الظرف، أو بالظن؛ نحو ما ظنك زيدا؛ والمعنى: أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به. }إن الله لذو فضل على الناس} أي في التأخير والإمهال. وقيل: أراد أهل مكة حين جعلهم في حرم آمن. }ولكن أكثرهم} يعني الكفار. }لا يشكرون} الله على نعمه ولا في تأخير العذاب عنهم. وقيل{لا يشكرون} لا يوحدون. {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} قوله تعالى{وما تكون في شأن} }ما} للجحد؛ أي لست في شأن، يعني من عبادة أو غيرها إلا والرب مطلع عليك. والشأن الخطب، والأمر، وجمعه شؤون. قال الأخفش: تقول العرب ما شانت شأنه، أي ما عملت عمله. }وما تتلو منه من قرآن} قال الفراء والزجاج: الهاء في }منه} تعود على الشأن، أي تحدث شأنا فيتلى من أجله القرآن فيعلم كيف حكمه، أو ينزل فيه قرآن فيتلى. وقال الطبري{منه} أي من كتاب الله تعالى. }من قرآن} أعاد تفخيما؛ كقوله ابن عباس{تفيضون فيه} تفعلونه. الأخفش: تتكلمون. ابن زيد: تخوضون. ابن كيسان: تنشرون القول. وقال الضحاك: الهاء عائدة على القرآن؛ المعنى: إذ تشيعون في القرآن الكذب. }وما يعزب عن ربك} قال ابن عباس: يغيب. وقال أبو روق: يبعد. وقال ابن كيسان: يذهب. وقرأ الكسائي }يعزب} بكسر الزاي حيث وقع؛ وضم الباقون؛ وهما لغتان فصيحتان؛ نحو يعرش ويعرش. }من مثقال} }من} صلة؛ أي وما يعزب عن ربك مثقال }ذرة} أي وزن وذرة، أي نميلة حمراء صغيرة؛ وقد تقدم في النساء. }في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} عطف على لفظ مثقال، وإن شئت على ذرة. وقرأ يعقوب وحمزة برفع الراء فيهما عطفا على موضع مثقال لأن من زائدة للتأكيد. وقال الزجاج: ويجوز الرفع على الابتداء. وخبره }إلا في كتاب مبين} يعني اللوح المحفوظ مع علم الله تعالى به. قال الجرجاني }إلا} بمعنى واو النسق، أي وهو في كتاب مبين؛ كقوله تعالى {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قوله تعالى{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} أي في الآخرة. }ولا هم يحزنون} لفقد الدنيا. وقيل{لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} أي من تولاه الله تعالى وتولى حفظه وحياطته ورضي عنه فلا يخاف يوم القيامة ولا يحزن؛ قال الله تعالى{ {الذين آمنوا وكانوا يتقون} هذه صفة أولياء الله تعالى؛ فيكون{الذين} في موضع نصب على البدل من اسم }إن} وهو }أولياء}. وإن شئت على أعني. وقيل: هو ابتداء، وخبره. }لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فيكون مقطوعا مما قبله. أي يتقون الشرك والمعاصي. { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} قوله تعالى{لهم البشرى في الحياة الدنيا} {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم} قوله تعالى{ولا يحزنك قولهم} أي لا يحزنك افتراؤهم وتكذيبهم لك، ثم ابتداء فقال{إن العزة لله} أي القوة الكاملة والغلبة الشاملة والقدرة التامة لله وحده؛ فهو ناصرك ومعينك ومانعك. }جميعا} نصب على الحال، ولا يعارض هذا قوله {ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} قوله تعالى{ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض} أي يحكم فيهم بما يريد ويفعل فيهم ما يشاء سبحانه!. قوله تعالى{وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء} }ما} للنفي، أي لا يتبعون شركاء على الحقيقة، بل يظنون أنها تشفع أو تنفع. وقيل{ما} استفهام، أي أي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء تقبيحا لفعلهم، ثم أجاب فقال{إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} أي يحدسون ويكذبون، وقد تقدم. {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} قوله تعالى{هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} بين أن الواجب عبادة من يقدر على خلق الليل والنهار لا عبادة من لا يقدر على شيء. }لتسكنوا فيه} أي مع أزواجكم وأولادكم ليزول التعب والكلال بكم. والسكون: الهدوء عن الاضطراب. قوله تعالى{والنهار مبصرا} أي مضيئا لتهتدوا به في حوائجكم. والمبصر: الذي يبصر، والنهار يبصر فيه. وقال{مبصرا} تجوزا وتوسعا على عادة العرب في قولهم{ليل قائم، ونهار صائم}. وقال جرير: وقال قطرب: قال أظلم الليل أي صار ذا ظلمة، وأضاء النهار وأبصر أي صار ذا ضياء وبصر. قوله تعالى{إن في ذلك لآيات} أي علامات ودلالات. }لقوم يسمعون} أي سماع اعتبار؟ {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون} قوله تعالى{قالوا اتخذ الله ولدا} يعني الكفار. وقد تقدم. }سبحانه} نزه نفسه عن الصحابة والأولاد وعن الشركاء والأنداد. }هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض} ثم أخبر بغناه المطلق، وأن له ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا؛ قوله تعالى{أتقولون على الله ما لا تعلمون} من إثبات الولد له، والولد يقتضي المجانسة والمشابهة والله تعالى لا يجانس شيئا ولا يشابه شيئا. {قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون، متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} قوله تعالى{قل إن الذين يفترون} أي يختلقون. }على الله الكذب لا يفلحون} أي لا يفوزون ولا يأمنون؛ وتم الكلام. }متاع في الدنيا} أي ذلك متاع، أو هو متاع في الدنيا؛ قاله الكسائي. وقال الأخفش: لهم متاع في الدنيا. قال أبو إسحاق: ويجوز النصب في غير القرآن على معنى يتمتعون متاعا. }ثم إلينا مرجعهم} أي رجوعهم. }ثم نذيقهم العذاب الشديد} أي الغليظ. }بما كانوا يكفرون} أي بكفرهم. {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} قوله تعالى{واتل عليهم نبأ نوح} أمره عليه السلام أن يذكرهم أقاصيص المتقدمين، ويخوفهم العذاب الأليم على كفرهم. وحذفت الواو من }اتل} لأنه أمر؛ أي اقرأ عليهم خبر نوح. }إذ قال لقومه} }إذ} في موضع نصب. }يا قوم إن كان كبر عليكم} أي عظم وثقل عليكم. }مقامي} المقام (بفتح الميم): الموضع الذي يقوم فيه. والمقام (بالضم) الإقامة. ولم يقرأ به فيما علمت؛ أي إن طال عليكم لبثي فيكم. }وتذكيري} إياكم، وتخويفي لكم. }بآيات الله} وعزمتم على قتلي وطردي. }فعلى الله توكلت} أي اعتمدت. وهذا هو جواب الشرط، ولم يزل عليه السلام متوكلا على الله في كل حال؛ ولكن بين أنه متوكل في هذا على الخصوص ليعرف قومه أن الله يكفيه أمرهم؛ أي إن لم تنصروني فإني أتوكل على من ينصرني. قوله تعالى{فأجمعوا أمركم وشركاءكم} قراءة العامة }فأجمعوا} بقطع الألف }شركاءكم} بالنصب. وقرأ عاصم الجحدري }فاجمعوا} بوصل الألف وفتح الميم؛ من جمع يجمع. }شركاءكم} بالنصب. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ويعقوب }فأجمعوا} بقطع الألف }شركاؤكم} بالرفع. فأما القراءة الأولى من أجمع على الشيء إذا عزم عليه. وقال الفراء: أجمع الشيء أعده. وقال المؤرج: أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه. وأنشد: قال النحاس: وفي نصب الشركاء على هذه القراءة ثلاثة أوجه؛ قال الكسائي والفراء: هو بمعنى وادعوا شركاءكم لنصرتكم؛ وهو منصوب عندهما على إضمار هذا الفعل. وقال محمد بن يزيد: هو معطوف على المعنى؛ كما قال: والرمح لا يتقلد، إلا أنه محمول كالسيف. وقال أبو إسحاق الزجاج: المعنى مع شركائكم على تناصركم؛ كما يقال: التقى الماء والخشبة. والقراءة الثانية من الجمع، اعتبارا بقوله تعالى قوله تعالى{ثم لا يكن أمركم عليكم غمة} اسم يكن وخبرها. وغمة وغم سواء، ومعناه التغطية؛ من قولهم: غم الهلال إذا استتر؛ أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا تتمكنون فيه مما شئتم؛ لا كمن يخفى أمره فلا يقدر على ما يريد. قال طرفة: الزجاج: غمة ذا غم، والغم والغمة كالكرب والكربة. وقيل: إن الغمة ضيق الأمر الذي يوجب الغم فلا يتبين صاحبه لأمره مصدرا لينفرج عنه ما يغمه. وفي الصحاح: والغمة الكربة. قال العجاج: يقال: أمر غمة، أي مبهم ملتبس؛ قال تعالى{ثم لا يكن أمركم عليكم غمة}. قال أبو عبيدة: مجازها ظلمة وضيق. والغمة أيضا: قعر النحي وغيره. قال غيره: وأصل هذا كله مشتق من الغمامة. قوله تعالى{ثم اقضوا إلي ولا تنظروني} ألف }اقضوا} ألف وصل، من قضى يقضي. قال الأخفش والكسائي: وهو مثل {فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين} قوله تعالى{فإن توليتم فما سألتكم من أجر} أي فإن أعرضتم عما جئتكم به فليس ذلك لأني سألتكم أجرا فيثقل عليكم مكافأتي. }إن أجري إلا على الله} في تبليغ رسالته. }وأمرت أن أكون من المسلمين} أي الموحدين لله تعالى. فتح أهل المدينة وأبو عمرو وابن عامر وحفص ياء }أجري} حيث وقع، وأسكن الباقون. {فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} قوله تعالى{فكذبوه} يعني نوحا. }فنجيناه ومن معه} أي من المؤمنين }في الفلك} أي السفينة، وسيأتي ذكرها. }وجعلناهم خلائف} أي سكان الأرض وخلفا ممن غرق. }فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} يعني آخر أمر الذين أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا. {ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين} قوله تعالى{ثم بعثنا من بعده} أي من بعد نوح. }رسلا إلى قومهم} كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم. }فجاؤوهم بالبينات} أي بالمعجزات. }فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} التقدير: بما كذب به قوم نوح من قبل. وقيل{بما كذبوا به من قبل} أي من قبل يوم الذر، فإنه كان فيهم من كذب بقلبه وإن قال الجميع: بلى. قال النحاس: ومن أحسن ما قيل في هذا أنه لقوم بأعيانهم؛ مثل {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين} قوله تعالى{ثم بعثنا من بعدهم} أي من بعد الرسل والأمم. }موسى وهارون إلى فرعون وملئه} أي أشراف قومه. }بآياتنا} يريد الآيات التسع، وقد تقدم ذكرها. }فاستكبروا} أي عن الحق. }وكانوا قوما مجرمين} أي مشركين. {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين، قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} قوله تعالى{فلما جاءهم الحق من عندنا} يريد فرعون وقومه }قالوا إن هذا لسحر مبين} حملوا المعجزات على السحر. قال لهم موسى{أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا} قيل: في الكلام حذف، المعنى: أتقولون للحق هذا سحر. فـ }أتقولون} إنكار وقولهم محذوف أي هذا سحر، ثم استأنف إنكارا آخر من قبله فقال: أسحر هذا! فحذف قولهم الأول اكتفاء بالثاني من قولهم، منكرا على فرعون وملئه. وقال الأخفش: هو من فولهم، ودخلت الألف حكاية لقولهم؛ لأنهم قالوا أسحر هذا. فقيل لهم: أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا؛ وروي عن الحسن. }ولا يفلح الساحرون} أي لا يفلح من أتى به. {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين} قوله تعالى{قالوا أجئتنا لتلفتنا} أي تصرفنا وتلوينا، يقال: لفته يلفته لفتا إذا لواه وصرفه. قال الشاعر: ومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه. }عما وجدنا عليه آباءنا} يريد من عبادة الأصنام. }وتكون لكما الكبرياء} أي العظمة والملك والسلطان }في الأرض} يريد أرض مصر. ويقال للملك: الكبرياء لأنه أعظم ما يطلب في الدنيا. }وما نحن لكما بمؤمنين}. وقرأ ابن مسعود والحسن وغيرهما }ويكون} بالياء لأنه تأنيت غير حقيقي وقد فصل بينهما. وحكى سيبويه: حضر القاضي اليوم امرأتان. {وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم} إنما قاله لما رأى العصا واليد البيضاء واعتقد أنهما سحر. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش }سحار} وقد تقدم في الأعراف القول فيهما. {فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} أي اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم. وقد تقدم في الأعراف القول في هذا مستوفى. {فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين} قوله تعالى{فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر} تكون }ما} في موضع رفع بالابتداء، والخبر }جئتم به} والتقدير: أي شيء جئتم به، على التوبيخ والتصغير لما جاؤوا به من السحر. وقراءة ضبي عمرو }السحر} على الاستفهام على إضمار مبتدأ والتقدير أهو السحر. ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف، التقدير: السحر جئتم به. ولا تكون }ما} على قراءة من استفهم بمعنى الذي، إذ لا خبر لها. وقرأ الباقون }السحر} على الخبر، ودليل هذه القراءة ابن مسعود{ما جئتم به سحر}. وقراءة أبي{ما أتيتم به سحر}؛ فـ }ما} بمعنى الذي، و}جئتم به} الصلة، وموضع }ما} رفع بالابتداء، والسحر خبر الابتداء. ولا تكون }ما} إذا جعلتها بمعنى الذي نصبا لأن الصلة لا تعمل في الموصول. وأجاز الفراء نصب السحر بجئتم، وتكون لا للشرط، وجئتم في موضع جزم بما والفاء محذوفة؛ التقدير: فإن الله سيطلبه. ويجوز أن ينصب السحر على المصدر، أي ما جئتم به سحرا، ثم دخلت الألف واللام زائدتين، فلا يحتاج على هذا التقدير إلى حذف الفاء. واختار هذا القول النحاس، وقال: حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من النحويين إلا في ضرورة الشعر؛ كما قال: بل ربما قال بعضهم: إنه لا يجوز البتة. وسمعت علي بن سليمان يقول: حدثني محمد بن يزيد قال حدثني المازني قال سمعت الأصمعي يقول: غير النحويون هذا البيت، وإنما الرواية: وسمعت علي بن سليمان يقول: حذف الفاء في المجازاة جائز. قال: والدليل على ذلك }وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}. }وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم} قراءتان مشهورتان معروفتان. }إن الله لا يصلح عمل المفسدين} يعني السحر. قال ابن عباس: من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية. (ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) لم يضره كيد ساحر. ولا تكتب على مسحور إلا دفع الله عنه السحر. {ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون} قوله تعالى{ويحق الله الحق} أي يبينه ويوضحه. }بكلماته} أي بكلامه وحججه وبراهينه. وقيل: بعداته بالنصر. }ولو كره المجرمون} من آل فرعون. {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين} قوله تعالى{فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه} الهاء عائدة على موسى. قال مجاهد: أي لم يؤمن منهم أحد، وإنما آمن أولاد من أرسل موسى إليهم من بني إسرائيل، لطول الزمان هلك الآباء وبقي الأبناء فآمنوا؛ وهذا اختيار الطبري. والذرية أعقاب الإنسان وقد تكثر. وقيل: أراد بالذرية مؤمني بني إسرائيل. قال ابن عباس: كانوا ستمائة ألف، وذلك أن يعقوب عليه السلام دخل مصر في اثنين وسبعين إنسانا فتوالدوا بمصر حتى بلغوا ستمائة ألف. وقال ابن عباس أيضا{من قومه} يعني من قوم فرعون؛ منهم مؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأته وماشطة ابنته وامرأة خازنه. وقيل: هم أقوام آباؤهم من القبط، وأمهاتهم من بني إسرائيل فسموا ذرية كما يسمى أولاد الفرس الذين توالدوا باليمن وبلاد العرب الأبناء؛ لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم؛ قال الفراء. وعلى هذا فالكناية في }قومه} ترجع إلى موسى للقرابة من جهة الأمهات، وإلى فرعون إذا كانوا من القبط. قوله تعالى{على خوف من فرعون} لأنه كان مسلطا عليهم عاتبا. }وملئهم} ولم يقل وملئه؛ وعنه ستة أجوبة: أحدها: أن فرعون لما كان جبارا أخبر عنه بفعل الجميع. الثاني: أن فرعون لما ذكر علم أن معه غيره، فعاد الضمير عليه وعليهم؛ وهذا أحد قولي الفراء. الثالث: أن تكون الجماعة سميت بفرعون مثل ثمود. الرابع: أن يكون التقدير: على خوف من آل فرعون؛ فيكون من باب حذف المضاف مثل {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} قوله تعالى{وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم} أي صدقتم. }بالله فعليه توكلوا} أي اعتمدوا. }إن كنتم مسلمين} كرر الشرط تأكيدا، وبين أن كمال الإيمان بتفويض الأمر إلى الله. }فقالوا على الله توكلنا} أي أسلمنا أمورنا إليه، ورضينا بقضائه وقدره، وانتهينا إلى أمره. }ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} أي لا تنصرهم علينا، فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين، أو لا تمتحنا بأن تعذبنا على أيديهم. وقال مجاهد: المعنى لا تهلكنا بأيدي أعدائنا، ولا تعذبنا بعذاب من عندك، فيقول أعداؤنا لو كانوا على حق لم نسلط عليهم؛ فيفتنوا. وقال أبو مجلز وأبو الضحا: يعني لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خير منا فيزدادوا طغيانا. {ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} قوله تعالى{ونجنا برحمتك} أي خلصنا. }من القوم الكافرين} أي من فرعون وقومه لأنهم كانوا يأخذونهم بالأعمال الشاقة. {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين} قوله تعالى{وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأا} أي اتخذا. }لقومكما بمصر بيوتا} يقال: بوأت زيدا مكانا وبوأت لزيد مكانا. والمبوأ المنزل الملزوم؛ ومنه بوأه الله منزلا، أي ألزمه إياه وأسكنه؛ ومصر في هذه الآية هي الإسكندرية؛ في قول مجاهد. وقال الضحاك: إنه البلد المسمى مصر، ومصر ما بين البحر إلى أسوان، والإسكندرية من أرض مصر. قوله تعالى{واجعلوا بيوتكم قبلة} قال أكثر المفسرين: كان بنو إسرائيل لا يصلون إلا في مساجدهم وكنائسهم وكانت ظاهرة، فلما أرسل موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت كلها ومنعوا من الصلاة؛ فأوحى الله إلى موسى وهارون أن اتخذوا لبني إسرائيل بيوتا بمصر، أي مساجد، ولم يرد المنازل المسكونة. هذا قول إبراهيم وابن زيد والربيع وأبي مالك وابن عباس وغيرهم. وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أن المعنى: واجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا. والقول الأول أصح؛ أي اجعلوا مساجدكم إلى القبلة؛ قيل: بيت المقدس، وهي قبلة اليهود إلى اليوم؛ قال ابن بحر. وقيل الكعبة. عن ابن عباس قال: وكانت الكعبة قبلة موسى ومن معه، وهذا يدل على أن القبلة في الصلاة كانت شرعا لموسى عليه السلام، ولم تخل الصلاة عن شرط الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة؛ فإن ذلك أبلغ في التكليف وأوفر للعبادة. وقيل: المراد صلوا في بيوتكم سرا لتأمنوا؛ وذلك حين أخافهم فرعون فأمروا بالصبر واتخاذ المساجد في البيوت، والإقدام على الصلاة، والدعاء إلى أن ينجز الله وعده، وهو المراد بقوله{قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا} الآية. وكان من دينهم أنهم لا يصلون إلا في البيع والكنائس ما داموا على أمن، فإذا خافوا فقد أذن لهم أن يصلوا في بيوتهم. قال ابن العربي: والأول أظهر القولين؛ لأن الثاني دعوى. قلت: قوله{دعوى} صحيح؛ واختلف العلماء من هذا الباب في قيام رمضان، هل إيقاعه في البيت أفضل أو في المسجد؟ فذهب مالك إلى أنه في البيت أفضل لمن قوي عليه، وبه قال أبو يوسف وبعض أصحاب الشافعي. وذهب ابن عبدالحكم وأحمد وبعض أصحاب الشافعي إلى أن حضورها في الجماعة أفضل. وقال الليث: لو قام الناس في بيوتهم ولم يقم أحد في المسجد لا ينبغي أن يخرجوا إليه. والحجة لمالك ومن قال بقوله وإذا تنزلنا على أنه كان أبيح لهم أن يصلوا في بيوتهم إذا خافوا على أنفسهم فيستدل به على أن المعذور بالخوف وغيره يجوز له ترك الجماعة والجمعة. والعذر الذي يبيح له ذلك كالمرض الحابس، أو خوف زيادته، أو خوف جور السلطان في مال أو دون القضاء عليه بحق. والمطر الوابل مع الوحل عذر إن لم ينقطع، ومن له ولي حميم قد حضرته الوفاة ولم يكن عنده من يمرضه؛ وقد فعل ذلك ابن عمر. قوله تعالى{وبشر المؤمنين} قيل: الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل لموسى عليه السلام، وهو أظهر، أي بشر بني إسرائيل بأن الله سيظهرهم على عدوهم. {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} قوله تعالى{وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه} }آتيت} أي أعطيت. }زينة وأموالا في الحياة الدنيا} أي مال الدنيا، وكان لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن الذهب والفضة والزبرجد والزمرد والياقوت. قوله تعالى{ربنا ليضلوا عن سبيلك} اختلف في هذه اللام، وأصح ما قيل فيها - وهو قول الخليل وسيبويه - أنها لام العاقبة والصيرورة؛ قوله تعالى{ربنا اطمس على أموالهم} أي عاقبهم عل كفرهم بإهلاك أموالهم. قال الزجاج: طمس الشيء إذهابه عن صورته. قال ابن عباس ومحمد بن كعب: صارت أموالهم ودراهمهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأثلاثا وأنصافا، ولم يبق لهم معدن إلا طمس الله عليه فلم ينتفع به أحد بعد. وقال قتادة: بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد وعطية: أهلكها حتى لا ترى؛ يقال: عين مطموسة، وطمس الموضع إذا عفا ودرس. وقال ابن زيد: صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة. محمد بن كعب: وكان الرجل منهم يكون مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين؛ قال: وسألني عمر بن عبدالعزيز فذكرت ذلك له فدعا بخريطة أصيبت بمصر فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير وإنها لحجارة. وقال السدي: وكانت إحدى الآيات التسع. }واشدد على قلوبهم} قال ابن عباس: أي امنعهم الإيمان. وقيل: قسها واطبع عليها حتى لا تنشرح للإيمان؛ والمعنى واحد. }قلا يؤمنوا} قيل: هو عطف على قوله{ليضلوا} أي آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا؛ قاله الزجاج والمبرد. وعلى هذا لا يكون فيه من معنى الدعاء شيء. وقوله: (ربنا اطمس، واشدد) كلام معترض. وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة: هو دعاء، فهو في موضع جزم عندهم؛ أي اللهم فلا يؤمنوا، أي فلا آمنوا. ومنه قول الأعشى: أي لا انبسط. ومن قال }ليضلوا} دعاء - أي ابتلهم بالضلال - قال: عطف عليه }فلا يؤمنوا}. وقيل: هو في موضع نصب لأنه جواب الأمر؛ أي واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا. وهذا قول الأخفش والفراء أيضا، وأنشد الفراء: فعلى هذا حذفت النون لأنه منصوب. }حتى يروا العذاب الأليم} قال ابن عباس: هو الغرق. وقد استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم؛ فالجواب أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن؛ دليله قوله لنوح عليه السلام {قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} قوله تعالى{قال قد أجيبت دعوتكما} قال أبو العالية: دعا موسى وأمن هارون؛ فسمي هارون وقد أمن على الدعاء داعيا. والتأمين على الدعاء أن يقول آمين؛ فقولك آمين دعاء، أي لا رب استجب لي. وقيل: دعا هارون مع موسى أيضا. وقال أهل المعاني: ربما خاطبت العرب الواحد بخطاب الاثنين؛ قال الشاعر: وهذا على أن آمين ليس بدعاء، وأن هارون لم يدع. قال النحاس: سمعت علي بن سليمان يقول: الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى عليه السلام }ربنا} ولم يقل رب. وقرأ علي والسلمي }دعواتكما} بالجميع. وقرأ ابن السميقع }أجبت دعوتكما} خبرا عن الله تعالى، ونصب دعوة بعده. وتقدم القول في }آمين} في آخر الفاتحة مستوفى. وهو مما خص به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهارون وموسى عليهما السلام. قوله تعالى{فاستقيما} قال الفراء وغيره: أمر بالاستقامة. على أمرهما والثبات عليه من دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان، إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة. قال محمد بن علي وابن جريح: مكث فرعون وقومه به هذه الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا. وقيل{استقيما} أي على الدعاء؛ والاستقامة في الدعاء ترك الاستعجال في حصول المقصود، ولا يسقط الاستعجال من القلب إلا باستقامة السكينة فيه، ولا تكون تلك السكينة إلا بالرضا الحسن لجميع ما يبدو من الغيب. }ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} بتشديد النون في موضع جزم على النهي، والنون للتوكيد وحركت لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أشبهت نون الاثنين. وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي. وقيل: هو حال من استقيما؛ أي استقيما غير متبعين، والمعنى: لا تسلكا طريق من لا يعلم حقيقة وعدي ووعيدي. {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين} قوله تعالى{وجاوزنا ببني إسرائيل البحر} تقدم القول فيه في }البقرة} في قوله{وإذ فرقنا بكم البحر}. وقرأ الحسن }وجوزنا} وهما لغتان. }فأتبعهم فرعون وجنوده} يقال: تبع وأتبع بمعنى واحد، إذا لحقه وأدركه. وأتبع (بالتشديد) إذا سار خلفه. وقال الأصمعي: أتبعه (بقطع الألف) إذا لحقه وأدركه، وأتبعه (بوصل الألف) إذا أتبع أثره، أدركه أو لم يدركه. وكذلك قال أبو زيد. وقرأ قتادة }فاتبعهم} بوصل الألف. وقيل{اتبعه} (بوصل الألف) في الأمر اقتدى به. وأتبعه (بقطع الألف) خيرا أو شرا؛ هذا قول أبي عمرو. وقد قيل هما بمعنى واحد. فخرج موسى ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا، وتبعه فرعون مصبحا في ألفي ألف وستمائة ألف. وقد تقدم. }بغيا} نصب على الحال. }وعدوا} معطوف عليه؛ أي في حال بغي واعتداء وظلم؛ يقال: عدا يعدو عدوا؛ مثل غزا يغزو غزوا. وقرأ الحسن }وعدوا} بضم العين والدال وتشديد الواو؛ مثل علا يعلو علوا. وقال المفسرون{بغيا} طلبا للاستعلاء بغير حق في القول، }وعدوا} في الفعل؛ فهما نصب على المفعول له. }حتى إذا أدركه الغرق} أي ناله ووصله. }قال آمنت} أي صدقت. }أنه} أي بأنه. }لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} فلما حذف الخافض تعدى الفعل فنصب. وقرئ بالكسر، أي صرت مؤمنا ثم استأنف. وزعم أبو حاتم أن القول محذوف، أي آمنت فقلت إنه، والإيمان لا ينفع حينئذ؛ والتوبة مقبولة قبل رؤية البأس، وأما بعدها وبعد المخالطة فلا تقبل، حسب ما تقدم في }النساء} بيانه. ويقال: إن فرعون هاب دخول البحر وكان على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى؛ فجاء جبريل على فرس وديق أي شهي في صورة هامان وقال له: تقدم، ثم خاض البحر فتبعها حصان فرعون، وميكائيل يسوقهم لا يشذ منهم أحد، فلما صار آخرهم في البحر وهم أولهم أن يخرج انطبق عليهم البحر، وألجم فرعون الغرق فقال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل؛ فدس جبريل في فمه حال البحر.
|